في زحمة العيد، نسينا واحدة من أهم العمليات الاستراتيجية في تاريخ المقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة، وهي العملية التي يمكن من خلالها التأريخ لمرحلة التطور النوعي في مواجهة الاحتلال العسكري للقطاع، وتغلب "العقل العسكري" الفلسطيني على "العقل العسكري" الإسرائيلي، من خلال ادارة عمليات معقدة وتستلزم نمطًا معقدًا من التخطيط والقتال.
كانت عملية تفجير موقع أروحان العسكري، أو موقع محفوظة كما تحفظه الذاكرة الشعبية، في يوم ٢٦ يونيو ٢٠٠٤، حدثًا فارقًا في علاقة المقا.ومة في غزة مع الاحتلال، إذ تمكنت من تفجير واحد من أهم المواقع العسكرية وأكثرها تحصينًا، كما أن الموقع كان يفصل شمال غزة عن جنوبها، وذلك من خلال نفق عسكري يمتد لـ٤٥٠ م، وتفخيخه بطنين من المتفجرات.
ورغم أن العملية لم تكن الأولى من خلال الاعتماد على الأنفاق، إذ سبقها تفجير موقع بوابة صلاح الدين في رفح "ترميد" في عام ٢٠٠١، وموقع "حردون" في ٢٠٠٣، إلا أن طبيعة موقع روحان العسكري، والمسار الذي فتحه نجاح العملية، كان كفيلًا بتعزيز التفوق الاستراتيجي للمقاومة الفلسطينية وعلى رأسها كتائب القسا.م-وهي التي نفذت كل عمليات الأنفاق في غزة قبل الانسحاب وبعده- في غزة، فحصلت عملية براكين الغضب والتي استهدفت موقع معبر رفح بعد ذلك، وكان من المتوقع أن تصل الأنفاق لكل مواقع العدو العسكرية، ومن ثم الوصول لكل المستوطنات المحصنة لو استمر الاحتلال أعوامًا أخرى.
ربما كان عمر أبو عكر، بكلماته الموجزة والمحددة، وهو يتحدث من داخل النفق، بصوت مجهد ومتعب، تاليًا واحدة من أهم مقولات الانتفاضة، متسلحًا بوعي استثنائي، وكأنه وحي من الله:
"لن تمنعكم حصونكم، ولن تمنعكم جدرانكم الفاصلة، فقد سقطت نظرية الجدار الفاصل من قبل، وها نحن بإذن الله سنسقط نظرية المستوطنات والحصون المنيعة".
على الهامش:
١) الصور لموقع محفوظة بعد تدميره.
٢) الملثمين داخل النفق هما على اليسار أشرف المعشر، استشهد في صد أحد الاجتياحات بعد عدة سنوات، وكان من ضمن المشاركين في الوهم المتبدد التي اختطف خلالها جلعاد شاليط، وعلى اليمين عمر أبو عكر، وهو أحد أهم قادة كتائب القسام في خانيونس، استشهد في عام ٢٠٠٨ خلال عملية اغتيال.