لاح في الأفق لدي بأن ملكة الكتابة تأتي من أبطال عرفهم الزمان والناس أو عرفهم الزمان وغفل عنهم الناس، فقد قرأت كتاب أمير الظل ليلقي بظلاله على مخيلتي وعقلي ثم يدفعني لكتابة مقال " مهندس الطريق أم مهندس على الطريق " حينها شعرت بحاجة ماسة لكتابته ، ثم جاء استشهاد نائب القائد العام لكتائب القسام " أحمد الجعبري " ليأمرني بجبروته وحنكته أن أمتطي قلمي وأنطلق فيه من خلال رحلته كاتبًا " قراءة سريعة " أحمد الجعبري رئيس أركان حماس "، واليوم أقرأ ما كتب الأسير المحرر علي عصافرة " أبو قتادة " في " 16 ساعة ... مهمة في كرم تسور " ، التي تحدث من خلالها مخاطبًا كل قارئ " هذا ما حدث فخذ العبرة واتعظ ".
يسرد أبو قتادة تفاصيل العملية بعامل جذبني لقراءة تلك العشرين صفحة ذات الكلمات المتكدسة فيما لا يتجاوز الأربعين دقيقة ، ملزمًا إياي أن أتمعن في تفاصيلها وفي جنبات ما كتبه وتحركاته بل وراسمًا لها مشاهد في مخيلتي لأرى التفاصيل الجميلة التي تجذب الفؤاد ليخفق شعورًا و يناجي يارب سلِّم سلِّم ، نعم تلك هي الأحاسيس التي ستشعر بها من خلال مطالعتك لهذه اللمحة الجهادية .
يتحدث علي عصافرة عن تلك العملية وبداية عمله الحركي والكتلي والقسامي . خلال سرده للوقائع أشار لحبه للعمل الطلابي ومدى نفعه وتأثيره في المجتمع ، جاء هذا من خلال رغبته القوية للعودة إلى البيت ليغادره ثانيةً ليتابع سير العمل الطلابي في جامعة الخليل التي كان أميرًا للكتلة الإسلامية فيها .
يقول أبو قتادة بأن حالة من التوتر والترقب كانت تسود رحلته وصديقه أبا القسام ذا الأربعين سنة ، حالة من التيه تتسلل لهما عندما اختل ما تم التخطيط له لكن تقادير الله تسوق ما هو خير وأفضل و حب الجهاد في سبيل الله عامل حفز لهما.
تدور رحى الاشتباكات ليردي كل واحدٍ منهم عددًا من القتلى والجرحى ، ثم يباغتهم جندي بعد أن شارفت الذخيرة على النفاد ليرتقي أبو القسام شهيدًا بين يدي أبي قتادة ، في هذه اللحظة يتصارع الفكر مع الرغبة مع الواقع ... فالواقع أنه لا ذخيرة بحوزته ... والرغبة هي الظفر بالشهادة في سبيل الله مقبلًا غير مدبر .... والفكر التحرف لقتال والتحيز لفئة والحفاظ على أمانة الجسد والروح ...، وهنا لأن الفكر واعٍ ويحاكي الواقع والمقدرة فاز على الرغبة واستعان بالواقع .
غادر أبو قتادة المستوطنة متجهًا إلى المجهول فهو لا يعرف طريق العودة، و كانت عقارب الساعة قد قاربت على موعد أذان الفجر فأطلق ساقيه لتقوداه إلى سطح بيتٍ لا علم له بساكنيه ثم أخذته سنة من نوم حتى أيقظته أصوات أقدام جنود الجيش الصهيوني التي حاصرت المنطقة بأكمها، نعم الخليل كانت محاصرة ومنع التجول فيها .
كثرت التساؤلات في عقل عصافرة ولكنه تأكد أن الله لن يقوده إلى سوء فما أن قفز في باحة البيت حتى قامت فتاة وأمها بإخفائه وعجوزٌ تكفلت بتفقد وضع الجيش الصهيوني المنتشر في المدينة . أخذ عصافرة قسطه من الراحة و غيّر اللباس العسكري المعطر بدماء أبي القسام ، ثم راح يطوي الأرض باحثًا عن مئذنة مسجد الرحمن القريب من بيته ، فسلك طرقًا التفافية وعرة ممتلئة بالشوك حتى وصل إلى أمه التي بادرته بالابتسامة وأخفى عنها حقيقة الأشواك التي جمعتها ملابسه ، وذهب ليحصل على قسطٍ من الراحة بعد أن يزيل عن جسده غبار المعركة الليلية ، لكن الطلقات الثماني التي اكتشفها في فخذه كانت مفاجأة كبيرة وغريبة خاصة أن ثلاثًا منها اخترقت اللحم.
هنا يبعث عصافرة برسالة لكل المجاهدين مفادها أن فكر المجاهد نصر أو استشهاد فإن تحقق النصر فلتبحث عن غيره حتى تنال الشهادة لا أن تبحث عن الشهادة متناسيًا أمر النصر ، وما حدث من مجريات وأحداث هل هي محض الصدفة أم من الرهبة أم أنها عناية الرحمن ؟!